الظلام هو طريق الله لتنقيتنا. هناك فى الظلام ، يبدأ الله فى العمل لتغيير الكثير من الأشياء بداخلنا: الطبع الحاد، والكلمات المتسرعة، والأفعال وردود الأفعال الطائشة، والأفكار المتمردة، وحبنا للأشياء والعالم، والأهمية التى نعلقها على أشياء مثل المركز ، والمال ، والأمان ، والحصول على التقدير من الآخرين.
هناك ظلام فى فرن الفخارى. فبعد تشكيل الصلصال ليصبح شيئاً مرغوباً لديه ، يضعه على الرف ليجف. ولا يضعه فى الفرن إلا عندما يكون قد جف تماماً. جميع الأفران مظلمة وحارة، ولكن لا توجد طريقة أخرى لجعل مصنوعات الفخارى أكثر فائدة سوى عن طريق إدخالها فى فرن ، فرن فائق الحرارة. ومن الناحية الروحية فإن الله يجعلنا نجتاز فى نفس العملية.
يتعامل الله مع الذات فينا حين تستقر يده بشدة علينا- وتلقى تلك اليد بظلال سوداء. فالناس سوف تسبنا وتشهر بنا ، وسوف يتهمنا أقرب الناس إلينا ، ويهاجموننا ويضطهدوننا, وفى بعض الأحيان نبدأ فى التفكير فى الأفكار المتمردة أو نختبر الهجمات القاسية على غير توقع فى جوانب كنا نعتقد إننا قد أحرزنا النصر عليها منذ أمد طويل. سوف يسمح الله بهذه الأشياء ، وبأشياء أكثر منها ، حتى ينقينا مثل الذهب. وسوف يرينا ببطء ولكن بكل تأكيد الحالة الحقيقية لقلوبنا تجاه كل هذه الأشياء. لماذا يسمح الله بذلك ؟ لكى يأتى بنا إلى منطقة الخضوع والتكريس الكلى له ولكى يساعدنا لنساعد أنفسنا على التسليم تماماً للصليب ، وأن نموت تماماً عن العالم وعن ذواتنا.
فى الظلام يبدأ الله فى العمل بطرق قد تبدو غريبة بالنسبة لنا. يبدأ ذلك عادة فى الوقت الذى نقول فيه لأنفسنا الأن أفهم كيف يعمل الله. نحن مرتبكون: فجأة لا نعرف شيئاً آخر ، لا نعرف كيف ولم تعد لدينا كل الإجابات. فى هذا الموقف يعلمنا الله إننا لسنا بحاجة إلى النور ، ولكننا بحاجة له هو فقط. إن الله يأتى بالنور والله هو النور. النور ليس أن نعرف أو نفهم أو تكون لدينا الإجابة ، ونحسن ظروفنا أو نشعر مرة أخرى أن الله يحب. النور هو الله نفسه. إذا كان هناك ظلام من حولنا ، ولكن الله معنا . يكون هناك نور.
عندما نجلس فى الظلمة سوف نشعر بالبؤس وعدم الراحة لفترة من الزمن ، ونشعر أن الله قد رفضنا. ولكن ، فى هذا الموقف بالضبط ، أكثر من أى وقت مضى ، نرى نقائصنا ، وضعفاتنا ، وعيوبنا ، ونبدأ فى أن ندرك مقدار قوة مقاومة الناس والشيطان ( أقوى مما تصورنا ). من المرجح إننا سوف نشعر بأن الله قد تخلى عنا وإننا لا نستحق أن نعامل بمثل هذه المعاملة. ولكن اعلم أن الله هو المتحكم فى كل شىء، على الرغم من حقيقة شعورك. كثيرون يتبعون يسوع لأجل الخبز الذى يعطيه لهم ، ولكنه يريدنا أنت نتبعه حباً فيه فقط ، ولكن ما هو رائع حقاً ، أن فترة الظلام هذه سوف تبدأ فى أن تكشف لنا إن كنا نتبع يسوع فقط لأجل الخبز الذى يعطيه لنا.
كثيراً ما نشعر ونحن فى الظلام أن الله غاضب منا. نحن نشعر أن الله يحمل معنا أثقالنا ولكنه لا يحبنا حقاً. وفى بعض الأحيان ، فى طرفة عين ، يبعد الله كل أثقالنا ، ولكن ذلك لا يحدث كقاعدة. إن الله يستخدم كل هذه المشاعر والعواطف ليرينا أنفسنا على حقيقتنا وكيف نكون لولا المسيح ورحمته.
كيف يكون رد فعلنا فى مثل هذه الأوقات ؟ يظل البعض يرى الظلام ، والتجارب , والهجمات العنيفة ، والفقر ، والحزن ، والألم ، والعوز ، والنقائص فى أنفسنا. ويفضل البعض الآخر النظر إلى الله. إنهم يرون يد الله تمسكهم وليس ظلال اليد. فى تلك الأوقات يجب أن نفهم إننا فى حقيقة الأمر نحرز تقدماً روحياً، حتى لو شعرنا كما أن الله لا يزال بعيداً.
ما الذى ينبغى علىَّ أن أفعله عندما يغطينى الله بظل يده؟ لا توقد نيرانك ( إش 11:50 ) . اجلس بهدوء فى الظلام ، واسكن أمام الرب. لا تقلق. إنتظر الشىء الوحيد الذى يجب أن تفعله عندما تكون جالساً فى الظلام المرسل من الله أن تستريح .. فلله أجندته الخاصة. لا قدر من رثاء الذات ، والصراخ ، والقلق أو الحديث مع الآخرين سوف يغير من الأمر شيئاً.
لا تخف من ظلام الوحدة ، والألم , والرفض ، والعار ، والإذلال ، والحزن ، والإضطهاد أو سوء الفهم. احتضنها. أنظر إليها كهبة من الله تعلمنا كيف أن الحياة سريعة الزوال ، وكم نحن ضعفاء ، ومقدار أهمية الأبدية ,أننا يجب أن نُقيم كل شىء فى ضوء الأبدية.
كثيرون منا يخافون الظلام ، غالباً بسبب الوحدة التى نشعر بها فى الظلام ولأننا لا نستطيع أن نرى. وعندما لا نستطيع أن نرى لا نعرف ما الذى يمكننا أن نفعله ، إن ذلك يجعلنا نتجمد فى مكاننا . نحن لم نعد نتحكم فى شىء.
عندما نسير فى الظلام ، لا يجب أن نتكلم ، فكلماتنا لن تأتى بالحياة والرجاء ، ليس لنا ولا لأى شخص آخر. إذا تحدثنا فى الظلام ، لا نستطيع أن نستمع إلى ما يقوله الله لنا. فى تلك الأوقات لا يجب أن نتكلم مع الآخرين عن موقفنا.
كما إننا لا يجب أن نقرأ كتباً لا حصر لها فى محاولة فهم لسبب الظلام. علينا فقط أن نستمع ونطيع. إن الظلال فى حياتنا من أوضح العلامات التى تثبت أن الله معنا وإنه منهمك فى العمل معنا. الظل هو ظل الله . إنه يريد أن يجتذبنا نحو علاقة أوثق معه. إنه يرغب فى أن نسمع صوته بوضوح أكثر إنه يريدنا أن نرى عجزنا الكلى ، وأن نرى إنه بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً. إنه يريد أن يأتى بنا إلى الدرجة التى تجعلنا لا نشك فيه بل نتبعه بلا قيد أو شرط. إنه يريد أن يأتى بنا إلى طاعة أكثر حرارة له ويريدنا أن نضع ثقتنا فيه.
وفى المرحلة الأخيرة نحن بحاجة أن نعرف إننا يجب أن نرحب بالظلال ونُخضع ذواتنا لله لأنه حينئذ يكون قريباً منا ويكون مشغولاً بنا كثيراً.
إن الظلام الذى يأتى من قبل الله يساعدنا لكى نسلك فى طريق روحى داخلى حيث يمكننا أن نسلك فى الروح بنور الله فى إنساننا الداخلى. فى ذلك المكان نتعلم أن نعيش بالإيمان وليس بالعيان أو المشاعر ، ونعيش فى ثقة تامة فى قوة الله الجديرة بالثقة والمعينة وليس فى قوتنا الذاتية ، وأن نعيش فى إتضاع وليس فى تعال أو غرور.
عندما تأتى الظلال ، فعلى المسيحى أن يختار الصمت ، وأن يسلم إنفعالاته لله وينتظر الله . هذا هو طريق الصليب